الأربعاء، 2 مايو 2012

الجماعة في السلوك التنظيمي

I.    مدخل عام للجماعة.

1-    مفهوم عام للجماعة وتعريفها:

تعتبر الجماعة من أهم المفاهيم الحديثة نسبياً والتي تناولها علم النفس الاجتماعي. والمتصفح لأدب الجماعة يجد تعريفات كثيرة حسب وجهة نظر كل عالم.

فالجماعة لغةَ: أتت من جَمَعَ الشيءَ عن تَفْرِقة.

أما بالنسبة لمفهومها الحالي Groupe  : أتت في الأصل من الكلمة الألمانية  « Krop » والتي تعني الرابطة.   (مسلم 31 : 2007)

أما اصطلاحاً فالجماعة: هي مجموعة تتكون من فردين أو أكثر توجد بينهم علاقات سيكولوجية واضحة تؤدي الى حدوث تفاعل اجتماعي متبادل عن طريق الأدوار الاجتماعية المختلفة التي تحددها المعايير والقيم المشتركة، لتحقيق أهداف الجماعة وإشباعاً لرغبات أفرادها.

2-    مفاهيم متعلقة بالجماعة:

2-1- ديناميكية الجماعة:

إن الجماعة ليست مجرد تجمع للأفراد كما يبين التعريف، وسلوك الأفراد في ظل انتمائهم للجماعة يختلف عن سلوكهم خارج إطار الجماعة (فرادى)، والتفاعل الحاصل داخل أي جماعة يؤدي إلى تغير، وهذا التغير في جزء من الجماعة قد يؤثر على الأجزاء الأخرى، فخروج عنصر من الجماعة قد يغير من علاقة الأفراد فيها.

إذاَ يمكن القول بأن ديناميكية الجماعة هي التفاعل مضاف اليه عنصر التغير. (الزهران 93: 1977)

2-2- معايير الجماعة:

هي مجموعة القواعد السلوكية التي يقبل بها أفراد الجماعة، بحيث يخضعون في سلوكهم وعملهم لما تحدده الجماعة من قواعد وإلا تعرضوا للعقاب. وهي أدوات تضمن انضباط المنتمين للجماعة، فاحترام الفرد لهذه المعايير يؤدي الى رضى الجماعة عنه.

والمعايير هي أحد الوسائل التي تستعملها الجماعات الغير رسمية كأداة للرقابة والتأثير على أفرادها وتتميز المعايير بأنها:

-    تحدد ما يجب عمله في مختلف المواقف.

-    تثبت للأفراد معايير السلوك في الحاضر والمستقبل.

-    يكفي الاجماع للوصول الى قرارات مما يوزع المسؤولية على الجماعة ككل دون أن يتحمل أحد الأفراد هذه المسؤولية.

-    اعتبار الالتزام بها مصدراَ لرضا العاملين. (القريوتي 147: 2009)

2-3- الاتصال في الجماعات:

إن التفاعل بين أفراد الجماعة قد لا ينجح دون وجود اتصال بين أفرادها، فالاتصال هو محور بناء العلاقات. والاتصال داخل الجماعة قد يتم بشكل أفقي أو عمودي أو دائري أو متعدد التبادلات وهو أفضل في رأي العديد حيث  يقول moscoinci، 1960  أن هذا النوع من الاتصال يؤدي الى الابداع. (مسلم 112 : 2007)

3-    أسباب تكون الجماعات:

إن الانتماء الى الجماعة يحقق الفرد به أهداف قد تكون أهمها اشباع بعض الحاجات الاجتماعية والنفسية والتي جاء ذكرها في هرم ماسلو "الحاجة الى الانتماء والتقدير".

كما تمد الجماعة الفرد بالمساعدة والمساندة الجماعية حيث يشعر الفرد عند الانتماء اليها بالآمان، كما يستمد الفرد منها المعلومات خاصة الجماعة الغير رسمية حين تكون المعلومات كمصدر للسلطة.

والأسباب التي تؤدي الى تكون الجماعة نلخصها في ما يلي:

-    الزمالة: عند ممارسة أعمال متشابهة من نفس التخصص وعند حدوث تقارب شديد والذي ينشأ عن تبادل المعلومات في موضوع عملهم يؤدي الى خلق علاقات وطيدة بين هؤلاء الأفراد.

-    التقارب المكاني: لمكان العمل دور كبير في انضمام الفرد الى جماعة معينة نتيجة للتقارب المكاني بين الافراد الذي ينتج عنه الاحتكاك وتبادل الأفكار.(عدون 92: 2003)

II.    النظريات المفسرة لنشوء الجماعات وتطورها.

تعددت وجهات النظر حول تفسير تكون الجماعات وكيفية تطورها والسيرورة التي تأخذها منذ تشكلها وحتى التفكك، وذلك راجع الى ان الانضمام الى الجماعات لا تحكمه قوانين محددة خاصة في ما يتعلق بالجماعة الغير رسمية، وفي ما يلي سنذكر أهم النظرات التي فسرت نشوء الجماعات وتطورها في التنظيمات.

1-    نظريات تكون الجماعة:

1-1-    نظرية التقارب المكاني:

تعتقد هذه النظرية ان تكون الجماعة يحدث بشكل آلي والسبب فيه يرجع الى تقارب الافراد في المكان، و الفرد ينضم للجماعة الأقرب منه مكاناَ.

1-2-    نظرية جورج هومانز George Homans:

تذهب هذه النظرية الى أن تكون الجماعة الاسا فيه هو النشاطات التي يقوم بها الافراد مما يولد علاقات فيما بينهم تتطور فيما بعد الى مشاعر تقود الى نشاطات جديدة في اطار جماعة.

1-3-    نظرية التبادل الاجتماعي Peter Blau:

ترى هذه النظرية أن تبادل المنفعة هو الاساس في تكون الجماعات، وانضمام الفرد للجماعة يقصد الفرد به تحقيق المنفعة القصوى وتجنب الخسارة.

1-4-    نظرية التوازن New Comb:

تعتبر هذه النظرية كتلخيص للنظريات السابقة، وهي الأقرب لتفسير نشوء الجماعات-حسب رأينا- وتتمثل هذه النظرية في النقاط التالية:

•    الانتماء للجماعة يهدف من ورائه الافراد الى ايجاد توازن بين اتجاهات الافراد، وتحدث حالة التوازن في ظل توفر الشروط التالية: - وجود اتجاهات ايجابية بين الافراد ونحو انفسهم ونحو موضوع أو شخص معين. – توافق اتجاهاتهم السلبية نحو موضوع أو شخص معين.

•    بالمقابل هناك حالات عدم التوازن والتي يسعى الأفراد من خلالها الى ايجاد توازن عن طريق تكون الجماعة في الحالات التالية: - توافق اتجاهات الأفراد تجاه بعضهم رغم تغايرها حول موضوع معين. – توافق الاتجاهات حول موضوع معين رغم اختلاف اتجاهاتهم الشخصية.

•    وأسوأ حالات عدم التوازن هي عدم توافق في الاتجاهات الشخصية  وكذلك حول مواضيع ومواقف معينة.

2-    نظريات تطور الجماعة:

2-1-    نظرية المراحل:

يرى رواد هذه النظرية أن تطور الجماعة يخضع الى مراحل، حيث قسمها كل من توكمان Tuchman وجنيس Jenesn الى خمس مراحل تمتاز كل مرحلة بخصائص معينة، ونوجز هذه المراحل في مايلي:

•    مرحلة التشكيل Forming:

تعتبر مرحلة البداية والتي يتم فيها التعارف بين أفراد الجماعة، ويتم فيها تشكل الانطباعات ومعرفة الوظائف والمهام المطلوبة والأهداف المرجو تحقيقها، وتقوم هذه المرحلة في الأساس على وجود قائد يحدد القواعد الأساسية التي ستعمل الجماعة وفقها.

•    مرحلة العصف Storming:

يحدث في هذه المرحلة نوع من التناقض بين أفراد الجماعة في محاولة للوصول الى أهداف محددة، وهنا تظهر الاتجاهات والرغبات التي يختلف الأعضاء فيها.

•    مرحلة وضع المعايير Norming:

ويتم في هذه المرحلة الاتفاق على القواعد الأساسية للعمل والتي يضبط بموجبها سلوك الافراد، ويتم توزيع الأدوار ويتم التأكيد على التماسك والتوافق.

•    مرحلة العمل Performing:

وهنا تبدأ الجماعة بالعمل لتحقيق الأهداف المتفق عليها، وهنا يظهر التنافس والتعاون مع الالتزام بتحقيق الأهداف.

•    مرحلة التفكك Adjourning:

وهنا تبدأ الجماعة بالتفكك والانحلال وذلك إما بسبب تفرق أعضائها أو تحقيق الأهداف.

 

 2-2- نظرية التذبذب:

على عكس نظرية المراحل، تفترض نظرية التذبذب أن تشكل الجماعات لا يخضع لتسلسل وهذا التسلسل في المراحل لا ينطبق بالضرورة على كافة الجماعات، ويمكن تلخيص وجهة النظر هذه في ما يلي:

•    يتم في البداية تحديد أهداف الجماعة والاتفاق على مواعيد انجازها.

•    يحصل بعد ذلك فترة من التوقف في نشاط الجماعة.

•    وهنا تأتي فترة انتقالية بعد استنفاذ الجماعة للوقت المحدد لها لانجاز المهام الموكلة اليها.

•    تم خلال هذه الفترة الانتقالية القصيرة إحداث تغيرات هامة.

•    يلي ذلك فترة توقف أخرى.

•    يتصف الاجتماع الأخير للجماعة بنشاط متسارع.

III.    أنواع الجماعات في التنظيم.

مع ظهور نسق المصنع ظهرت جماعتان اقتصاديتان جماعة الرأسماليين المتمثلة في أرباب العمل وجماعة العمال ، والعلاقة بين هاتين الجماعتين  ميزها الطابع الرسمي ، وفي المقابل ظهر نوع آخر من الجماعات فيما بين العمال تميز بالطابع الغير رسمي وفيما يلي توضيح لهذين النوعين :

1-    الجماعات الرسمية :

تتضمن هذه الجماعة مجموع المراكز والأدوار والمسؤوليات  والواجبات والأجهزة والسياسات واللوائح والتي تحددها الإدارة والتي تسمح بأداء الوظائف ، وهي الصورة التي يتطلبها التنظيم الرسمي لتحقيق الأهداف التنظيمية والتي في الغالب تتشكل من عدد من المرؤوسين يشرف عليهم رئيس مسؤول عنهم وعن أدائهم .

ويمكن تصنيف هذا النوع  من الجماعات إلى :

1-1-    الجماعات الوظيفية : يتم تحديدها ضمن الهيكل التنظيمي تحت إشراف ومتابعة هيئات الإدارة العليا مع توضيح خطوط السلطة و الاتصال و المسؤولية طبقا لمسؤوليات المؤسسة.

1-2-     لجان العمل : إلى جانب عملهم الرسمي الأساسي في المنظمة تطلب منهم الإدارة إنجاز مهام مؤقتة لدراسة مواضيع معينة ضمن فرق بشكل مؤقت مثال لجنة لوضع مشروع.

1-3-     فرق العمل :تتكون هذه المجموعة من أفراد ينتمون إلى أقسام وتخصصات مختلفة تتكون من أجل إنجاز مهمة أو مشروع أو برنامج محدد مثال : فرقة لتطبيق برنامج نظام معلومات للمؤسسة .

2-    الجماعات الغير رسمية :تتكون هذه الجماعة استجابة لحاجات خاصة بالأعضاء والتي قد تكون غير منسجمة مع الأهداف التنظيمية، ويمكن تعريفها على أنها شبكة العلاقات الاجتماعية التي لا يحددها التنظيم الرسمي، وتنشأ بعيداً عنه، وتتميز بوجود مصلحة مشتركة لدى أفرادها.حيث يشعر الأعضاء المنتمين إليها بالأمن والاعتراف بذاتيتهم وبالاحترام والانتماء وبالقدرة على إنجاز الأهداف .

ويمكن تصنيف هذا النوع من الجماعات إلى :

2-1- مجموعات الصداقة : إن الاحتكاك بين العمال والأفراد في أنشطة معينة قد يولد صداقات بسبب الميول والاهتمامات المشتركة بينهم ، وقد تختلف في أهدافها عن الجماعة الرسمية.

2-2- جماعات المصالح : تتشكل لتنظيم مساعدة الأعضاء الذين يتعرضون لأزمات أو تهتم بالنشاطات الاجتماعية الخاصة بها .

 

IV.    محددات سلوك الجماعة.

للسلوك الجماعي محددات تؤثر وتتحكم فيه وتنقسم هذه المحددات إلى محددات خارجية و محددات داخلية سنفصلها في ما يلي : 

-    المحددات الخارجية :

إن الجماعة نسق مفتوح وهي جزء من محيط ونظام اجتماعي أكبر يؤثر على سلوكها من خلال بعض العوامل تتمثل في:

أ‌-    الإستراتيجية العامة للتنظيم:

إن الإستراتيجية التي تتبناها المنظمة تجاه قوة ونفوذ الجماعات والموارد الموضوعة تحت تصرفها تؤثر عليها وقد تحد من سلوكها فنقص الموارد الموضوعة تحت تصرف الجماعة قد يحدث قلق وصراع بين أعضائها.

ب‌-    التعليمات  واللوائح والسياسات التي تتبناها الإدارة :

•    توافر الموارد اللازمة للعمل.

•    عملية اختيار وانتقاء العاملين.

•    أنظمة التقييم والتحفيز المتبعة.

•    الثقافة التنظيمية السائدة .

•    ظروف العمل المادية.

•    أنماط القيادة والاتصالات المتبعة.

•    حجم الجماعات.

•    درجة التماسك بين الأعضاء.

إن العوامل السابق ذكرها تؤثر على نشاطات وتفاعلات الأفراد وبالتالي تؤدي إلى تكوين اتجاهات بين الأفراد أنفسهم قد تكون سلبية أو تكون إيجابية ، ودلك لما تفرضه عوامل البيئة التي يعملون فيها.

-    المحددات الداخلية:

وفي هذا الصدد نعتبر الجماعة كنسق مغلق يتأثر بعوامل داخلية خاصة بالأفراد أنفسهم زمن هذه المحددات :

أ‌-    القدرات الفردية للأعضاء.

ب‌-    الخصائص الشخصية.

وتعتبر هذه العوامل هامة في تحديد سلوك الأفراد ، وبالنسبة على تأثيرها على السلوك الجماعي يجدر بنا لحديث عن ما يسمى نمط التفكير الجماعي إذ يميل الأفراد للتفكير بطريقة ترضي الأغلبية رغم عدم القناعة بهذا السلوك وذلك يعود إلى ممارسة الضغوط من قبل الجماعة.

-    تأثير الجماعة في سلوك الفرد :

يظهر هذا التأثير من قبل الجماعة على سلوك الفرد في ما يسمى الجماعات الغير الرسمية والمثير للاهتمام هنا أن هذه الجماعات الغير رسمية تمارس ضغطاً أو تأثيراً على أفرادها رغم عدم وجود قوانين أو لوائح رسمية. ولا بد في هذا العنصر من ذكر الدراسات التي قام بها فريق من جامعة هارفرد والمسماة بتجارب "هاوثورن" والتي توصلت الى أن هناك جماعات غير رسمية في التنظيمات تظهر وتمارس ضغطاَ وسلطة على منتسبيها يصل في بعض الحالات الى تأثيرها على تعليمات الصادرة عن الإدارة الرسمية وقد تتجاوزها، وقد بينت هذه الدراسات أن هذه الجماعات الغير الرسمية قد تفرض على العمال المنتسبين إليها قيوداً فيما يتعلق بسقف الإنتاج وكأنه شبه تحكم في الإنتاج المراد انجازه.

ويمكن أن نقول أن تأثير الجماعة على سلوك الفرد يظهر عن طريق إشكال التفاعل المختلفة بين أفراد الجماعة والتي تؤدي إلى تكوين اتجاهات مختلفة.

V.    خصائص الجماعة الفعالة:

للجماعة عوامل تؤثر في فعاليتها ومدى تجانسها وتماسك أعضائها، حيث يذكر "سيسيل جيب Cecil Gibb" خصائص الجماعة الفعالة كما يلي: - الأفراد فيها يؤدون العمل كفريق واحد. – كل فرد يشارك مشاركة فعالة في المناقشات التي تتم داخله – الجماعة تحدد أهدافها بطريقة واضحة. – تمتلك الموارد الضرورية لانجاز أهدافها. – تشارك الجماعة بالكثير من المقترحات المثمرة في انجاز الأهداف.

وترتبط فاعلية الجماعة بعوامل نذكر في ما يلي: -  حجم جماعة العمل: كلما كان حجم الجماعة صغيراً كانت أكثر فعالية. – عدد أعضاء الجماعة: لوحظ أن جماعة العمل التي يكون عدد أعضائها زوجياً تتخذ القرارات أكثر دقة، بينما الجماعة الفردية أسرع في إنجاز العمل من غيرها. – طبيعة ونوع العمل: إذا كان العمل بسيطاَ ويتطلب تعاوناَ، فالأفضل تكوين جماعة متجانسة (سن، المستوى التعليمي) وإذا كان العمل معقداً ويتطلب نوع من الإبداع فالأفضل إن تكون الجماعة غير متجانسة. – موقع العمل والتماسك: كلما كانت الجماعة متقاربة في الموقع كانت أكثر تماسكاً.

السلوك التنظيمي، محمد قاسم القريوتي، 2009

علم النفس الاجتماعي، محمد مسلم 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق